<BLOCKQUOTE>
بالذهاب جنوبا في العمق من قلب صحراء النقب في إسرائيل، تتناثر القرى البدوية الصغيرة في المسافات الشاسعة.
تعيش هذه القرى في سلام وجلال مع الصحراء الساخنة، منحوتة في المنظر الطبيعي تبرز بأكواخها في الأحياء والمخيمات المبنية بالخيش والعيدان الخشبية غير بعيدة عن الـ 52 منطقة عسكرية النشطة في النقب. يجلس الشيوخ يلتحفون كوفياتهم يشربون القهوة العربية، ووجوههم جامدة كالصخر – كما لو انهم شاهدوا كل ذلك من قبل. النساء لن تشاهدها في أي مكان. </BLOCKQUOTE>
تقبع قرية وادي النعام البدوية في ظل منطقة الصناعات الكيماوية. فيما يلي الطريق الترابي المتفرع من الطريق السريع، تظهر القرية على اليسار، مظلمة ومقبضة، كارثة معمارية.
يحيا 4 ألاف نسمة في جوار رامات هوفاف، مدفن النفايات السامة في إسرائيل – واحد من الـ 17 مصنع للكيماويات في المنطقة. المصنع، الذي افتتح في 1975، ترك آثار الدمار لتضيف إلى الحالة الكئيبة: معدلات وفيات الأطفال المرتفعة، تأثيرات سرطانية وتأثيرات صحية اخرى من آثار التدفق الكيماوي، 97% من سكان القرية يغطيهم التأمين الصحي. تمتد خطوط الكهرباء من الضغط العالي على بعد ياردات ولا تصل أى فرد إلى الشبكة.
اورلي آلمي، منسق مشروع قرى النقب الغير معترف بها لمنظمة أطباء من اجل حقوق الإنسان تحدث في تقريره عن نسب مرتفعة للإجهاض، وأمراض القلب عند الشباب، ومستويات عالية للسرطان ومعدلات مرتفعة للعيوب الخلقية. أضف إلى هذا التقرير، المسح الصحي السكاني الذي أجرته الحكومة والذي كشف عنه الستار بعد ضغوط استمرت لسنوات، اظهر أن هناك معدلات عالية لتشوهات خلقية عند الولادة وولادات لأطفال ناقصي النمو بين السكان البدو.
وزارة الصحة، وهي لا ترحب بتعريض أطباءها للمخاطر الصحية من المصنع لا تزود القرية بأي خدمات صحية. الآخرون لا يتفقون مع هذا التقدير ويدعون أن السلطات البدوية تستخدم عدم توفير الخدمات الصحية لإجبار البدو على الانتقال إلى سيجيف شالوم، وهي مستعمرة قريبة من المكان. العيادة الطبية المزودة بالطاقة الشمسية والتي بناها المتطوعون بأيديهم تمكث فارغة.
بوستان، المنظمة الغير حكومية التي ترأست المشروع، تبحث الآن عن متطوعين من المجتمع الطبي لاستخدام المنشأة الجديدة بسبب عدم استجابة الحكومة لذلك.
العديدون يقولون الآن، استنفاد كل الخيارات الشرعية لن يعود بالموتى أو يخفف من آلام الذين يعانون.
هذه المعركة حول الأرض، والسلطة، والموارد الحكومية، والثقافة والتاريخ تجري من خلال سلطات التخطيط، والوزارات الحكومية، وقاعات المحاكم، والقيادات المحلية، وقوات الأمن وعلى المستوى السياسي.
القرى الغير معترف بها لا تظهر على الخريطة الرسمية لدولة إسرائيل ولا تتضمنها أرقام المكتب المركزي للإحصاء. هذه القرى غير معترف بها رسميا من الدولة لذا لا توجد مسئولية شرعية عن توفير حتى الخدمات الأساسية لها. الأراضي كلها مصنفة على إنها أراض زراعية، لتجعل بذلك كل المباني المقامة غير شرعية.
في يناير، في منتصف الليل عندما تم بناء عشر بيوت في المستوطنة اليهودية الجديدة جيفعوت بار على ارض العراقيب بين مدينتي بير سبع وراهات، ارض أسلاف قبيلة العقبي، رشت الحكومة المبيدات على 4 آلاف دونم في ثلاث قرى منفصلة وهي بيوت لخمسين عائلة بدوية، لتسمم حقولا للقمح في هذه العملية. شيدت القرية الجديدة بينما تخطط الحكومة لإزالة عدد من القرى البدوية في النقب تحت اسم خطة تنمية النقب الذي يتبناها رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون.
هذه المنازعات حول الأرض يرجع أصلها إلى الأربعينات والخمسينات. بتأسيس دولة إسرائيل في 1948 جاء نظام جديد وأولويات جديدة أكثر من استخدام الأرض. وأصبح لكل امرئ تفسيره الخاص لما حدث.
هذا هو الإسقاط الخلفي للبلوى في المنطقة.
هنا في الصحراء، يتحدث البدو عن الزمن بالأجيال ويحسبونه عن طريق علاقتهم بالأرض. لقد اعتادوا على مر الزمان على بعض الأساطير هنا – ولا تزال رواياتهم عنها تتشكل. العالم يتحرك حولهم بأسرع من طاقاتهم على الاستيعاب. انهم يعانون من نفس التمييز الذي يعانيه العرب الآخرون في إسرائيل، ولكن قضاياهم أكثر حدة، وأكثر إلحاحا وسوف تتطلب بالتأكيد اهتماما عالميا. انهم يفعلون ما يستطيعون عمله للمحافظة على ما يحوزونه رغم الضغوط العديدة داخل الثقافة وأشكال النفوذ القادمة من الخارج.
بالحكم من وجهة نظر البيروقراطيين الحكوميين، والـ NGO's، وأعضاء الكنيست والصحفيين الدوليين الذين يقومون بجولات، يوجد بعض ما يشبه الازدهار البدوي الفريد جاري حدوثه – الازدهار الذي يتميز بكونه يتم في سياق حقوق السكان الأصليين، مثل إتاحة الوصول للخدمات الأساسية، مثل المياة، والكهرباء، والإسكان، والرعاية الصحية، ومنشآت الصرف الصحي، والتخلص من القمامة، والتعليم، والاعتراف بالحقوق الثقافية.
ولكن البعض يعتقدون أن تلك هي أعراض التوتر الذي هو على وشك الانفجار.
بالنسبة لكل من يرى أن الأمور تسير إلى الأحسن، هناك الآخرون الذين يتنبأون بان الانتفاضة البدوية هي قادمة حيث تصف سماتها في إسرائيل، صحيفة هآرتز الليبرالية مؤخرا.
يقول محمد زيدان، رئيس هيئة حقوق الإنسان العربي، عندما سئل عن إمكانية قيام انتفاضة في وسط البدو، "البدو قوم مسالمون، ولكنهم بشر. لا اعتقد أن أمامهم خيار، انهم يدفعون دفعا للانتفاض".
ما يضيف إلى تعقيد الامور هو خطة شارون للانسحاب من غزة – الخطة التي لو نفذت سوف تعني بالتأكيد مستوطنات جديدة في النقب مضيفة بذلك إلى أعباء التنمية في المنطقة.
بعض من المجتمع البدوي يعارضون هذه التحركات تماما حيث أن ذلك سوف يعني لا محالة تعديات على أراضيهم التقليدية. لصياغة عبارة تدل على هذا الخط في التفكير، يتعجب الكثيرون، "كيف تستطيع الحكومة انتزاع أراضينا، وإنكار حقوقنا الأساسية كالماء، والكهرباء، والتعليم، والرعاية الصحية وتستمر في تسميم أراضينا بالكيماويات – إننا هنا منذ 1984".
طبقا للمجلس الإقليمي للقرى الغير معترف بها في النقب، تستفحل مشكلة القرى الغير معترف بها بشكل متزايد منذ 1965 عندما أقرت الحكومة قانونا للتخطيط والبناء بالإضافة إلى خطة للتحديد تم فيها تجاهل مئات من القرى البدوية ومحلات الإقامة بشكل متعمد وتم اعتبارها غير موجودة. تم تصنيف الأرض على اعتبار أنها أراض زراعية، لتتحول كل المباني المشيدة إلى مبان غير شرعية.
قانون 1981 لإجلاء المتطفلين حدد تفاصيل العملية القانونية لإجلاء سكان البيوت "الغير شرعية" في إسرائيل. الملحق المقترح لهذا القانون سوف يدعم الهيئة التي تصدر قرارات الإزالة والهيئة التي سوف تنفذ هذه القرارات – وهي العملية التي سوف تستهدف القرى البدوية الـ 45 الغير معترف بها في النقب وسوف تزيد من فعالية جهود بناء المستوطنات اليهودية في أماكنها. يدعي العديد من الخبراء القانونيين أن قانون إجلاء المتطفلين قد يؤثر على 70 الف مواطن بدوي في إسرائيل من الذين يحيون على خدمات أساسية تمدهم بها الحكومة. يعيش باقي البدو في سبع بلدات أسستها الدولة وتحظى هذه القرى بالاعتراف الكامل.
"إننا نريد من حكومة إسرائيل أن توقف هذه السياسة المنافقة والشرسة للإجلاء المنظم للمجتمع البدوي من أراضيه التقليدية بينما تساعد على بناء المستوطنات اليهودية الجديدة في النقب. إننا نناشد المجتمع الدولي والقيادة اليهودية أن تعبر عن غضبها من إسرائيل"، هذا ما قاله جعفر فرح، مدير مركز المساواة، وهو واحد من 29 منظمة تشكل منتدى معا، الذي يدافع عن حقوق البدو. قام فرح توا برفع القضية أمام حكومة الولايات المتحدة.
في طل خطة شارون لتنمية النقب، تنوي الحكومة أن تحول ستة من اكبر القرى الغير معترف بها إلى بلدتين معترف بها رسميا لتضع كل البدو الباقين بهما. وهذا لا يقبله البدو حيث ان ذلك من وجهة نظرهم لا يمنحهم الاعتبار الكامل لمطالبهم التاريخية في الأرض.
حتى ان هناك أحاديث عن بناء مضمار للخيل – البعض الآن يطلق النكات عن أن اللافتات المكتوبة في مضمار سبق الخيل سوف تكون حروفها لها من الحقوق أكثر من البدو.
في يناير 2004، أعلن رئيس الوزراء أريل شارون ووزير الصناعة والعمل أيهود اولمرت في لقاء مع رئيس مجلس القرى العربية الغير معترف بها، جابر أبو خاف، أن الحكومة سوف تبدأ تنفيذ خطتها لنقل 38 قرية. عقب هذا اللقاء، شارك وزير الإسكان في تأسيس قرية إسرائيلية جديدة على أراض قبيلة العقبي بالتحرك في بيوت كرافانات منقولة في منتصف الليل.
38% تقريبا من الصندوق الحكومي لتمويل المجتمعات البدوية العربية في النجف سوف تخصص لتنفيذ سياسات مصادرة الأراضي الحكومية خصوصا في القرى غير المعترف بها. أكثر من 150 منزل تمت إزالتهم وتم رش 30 الف دونم من المحاصيل وكذلك تدميرهم في النقب منذ 2002. يوجد اتفاق عام بين معظم القيادة البدوية ان خطة الحكومة لا تأخذ في اعتبارها الحساسيات الثقافية لثقافة البدو الأصلية.
أبو عفاش لبد، واحد من أعضاء مجلس القرية، قال مخاطبا جمع من الناس، "هويتنا الحقيقية هي الأرض". انه يقول انه لا يعول على مواطنته لكسب حقوقه لان الدولة لا تعامله كمواطن. لبد يقول الدولة تستخدم الحرمان من الخدمات الأساسية كأداة السلطة لإزاحة البدو عن موطنهم. الشهر الماضي هذا، ثلاثة وعشرون من قبيلة الكيان يتضمنون احد الشيوخ من الجدود عمره تسعون عاما أصيبوا عندما وصلت قوى الأمن لإزالة سبعة بيوت.
طبقا لاريل دلومي من منتدى النقب للتعايش، كمواطن يهودي هو لديه الحق للعيش أينما يريد. ولكن المواطنين البدو ليس لديهم اختيار – يستطيعون إما أن يمكثوا بشكل غير شرعي حيث هم أو يغادرون إلى سبع مستوطنات في بلدة أصبحت مؤشراتها هي الأقل اجتماعيا واقتصاديا من أي قرية في إسرائيل. تم المبادرة بمنتدى التعايش بواسطة المواطنين البدو والإسرائيليين للترويج لمسائل التعايش والتفهم المتبادل ولاستعراض قضايا البدو أمام السكان اليهود مثل قصور التمويل للمجلس الإقليمي الجديد الذي أنشئ من اجل تنفيذ حلول صالحة للعمل بها لاستخدام الأرض في المنطقة. يقول دلومي، "إننا ندعو الحكومة إلى بدء مفاوضات مع البدو ومعاملتهم كمواطنين متساويين، وليسوا كمواطنين من الدرجة الثانية".
أسباب تعاظم التوترات هي استخدام طائرات رش المبيدات الكيماوية بواسطة مكتب إدارة الأراضي الإسرائيلي بغرض تدمير محاصيل البدو التي هي غالبا من الشعير والقمح.
باختصار، الكيماويات المستخدمة في الرش تشترك في المسئولية عن العيوب الخلقية والتأثيرات السرطانية. مصنع الإنتاج المركزي يخص شركة مونسانتو بالولايات المتحدة الأمريكية وفي إسرائيل يتم إنتاجه بواسطة شركة اجان للكيماويات بأشدود.
برغم وجود عدد من المواد التي سوف تعتبر مواد ضارة بالإنسان، التعرض للتأثيرات طويلة المدى المحتملة للمكون الأساسي الجلايكو- فوسفات مسئول عن مضار تدمير الكلى، وتتأثر القدرة على الإنجاب وارتفاع مخاطر سرطان الليمفوما من غير نوع الهودجيكن. المنظمة العربية القانونية العدالة رفعت قضية أمام المحاكم ضد الحكومة حتى تتوقف عن استخدام رش المبيدات.
اذا استمعنا لنوري العقبي، زعيم قبيلة العقبي، يتحدث لجماعة من الصحفيين في واحدة من الغرف الخلفية في بيت الكاتب بتل أبيب تشعر بإحساس أن هذا ليس فقط مجرد مؤتمر صحفي له، بل انه كتاب حياته. كرئيس لمجلس إدارة جمعية الدعم والدفاع عن حقوق البدو في إسرائيل، يقول نوري أن السكان البدو العرب مخولين بنفس الحقوق مثلهم مثل أي قطاع آخر في البلد.
قبيلة العقبي لا تعارض استيطان اليهود في النقب – انهم مجرد يريدون أن تقدم السلطات حلا مناسبا لمسألة الاستيطان لهم وللبدو الآخرين في النقب. الالتماس الأخير لجمعية الدعم والدفاع عن حقوق البدو في إسرائيل حول تنمية جيفعوت بار كان في 29 يونيو امام محكمة مقاطعة بير سبع حيث رفض القاضي الالتماس المقدم من الجمعية بالتضامن مع اللجنة المحلية لقبيلة العقبي.
هكذا حاليا، سوف يستمر نوري العقبي في الحديث حول خداع موسم الزراعة في 1952 عندما نقلت قبيلته أصلا لأسباب "أمنية". لديه قبيلة كاملة لتجيب على سؤاله. انه يعرف أن هذه المنازعات حول الأرض قد استمرت لأجيال ولسوف تأخذ أجيال قادمة حتى تجد الحل. أما الآن، هو لن ينتقل إلى أي مكان. سوف يستمر هنا – وتد في الصحراء
الرئيسية
